ليبيا جديدة | نهاية طاغية
سقط العقيد الليبي، معمر القذافي، أمس، في مسقط رأسه. جبهة سرت، التي شهدت أحداثاً متسارعة، كشفت عن مكان وجود الزعيم الراحل، الذي تضاربت الأنباء بشأن كيفية مقتله، وإن أجمعت على أن مقاتلي المجلس الانتقالي قتلوه بعد اعتقاله حيّاً
بعد ثمانية أشهر من انطلاق الانتفاضة ضد نظامه، وعمليات الكرّ والفرّ التي تركزت في الأيام الأخيرة على مدينه سرت، لقي الزعيم الليبي المخلوع، العقيد معمر القذافي، مصرعه، أمس، في مسقط رأسه على أيدي مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي الليبي، فيما بدأت السلطة الانتقالية الجديدة بالاستعداد لإعلان التحرير الكامل للبلاد من سلطات حكمتها 42 عاماً. وجاء مقتل القذافي، الذي أعلنه المجلس الانتقالي رسمياً، بعد شهرين من سقوط العاصمة طرابلس وتواريه عن الأنظار، متزامناً مع إعلان مقتل نجله، مستشار الأمن القومي، المعتصم بالله، ووزير دفاعه أبو بكر يونس جابر، فيما اعتقل عدد من كبار مسؤوليه، بينهم رئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي والمتحدث السابق باسم الحكومة موسى إبراهيم.
الروايات اختلفت بشأن كيفية قتل القذافي، غير أن المشاهد المصوّرة التي بثت على الفضائيات أكدت أن الزعيم الليبي كان حيّاً بأيدي المقاتلين، إلا أن موته أعلن بطريقة غامضة، وذلك خلافاً لما أعلنه القيادي العسكري في المجلس الانتقالي، محمد ليث، إذ قال إنه شاهد القذافي«مقتولاً. وضعنا جثته وكذلك جثة أبو بكر يونس جابر في سيارة إسعاف لنقلهما الى مصراتة». وقال ليث لـ«فرانس برس» إن القذافي «كان داخل سيارة جيب «كرايزلر» أطلق عليها الثوار النار، فخرج منها وحاول الفرار، وهو هارب دخل في حفرة محاولاً الاختباء. أطلق عليه الثوار النار، فخرج وهو يحمل في يده كلاشنيكوف وفي اليد الأخرى مسدساً، تلفّت يميناً ويساراً وهو يقول: شنه فيه (ماذا يحصل)، وأطلقوا عليه النار فأُصيب في الكتف وفي الرجل، وقتل على الأثر». ونفى ليث أن يكون القذافي قُتل في قصف لقوات الحلف الأطلسي على سرت، مؤكداً أن «ثوار مصراتة قتلوه».
وفي وقت لاحق، قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه، إن «طائرات فرنسية هي التي حددت وأوقفت القافلة التي كان فيها القذافي، والتي كانت تضم عشرات السيارات الهاربة من سرت. وذلك قبل أن يقع اشتباك بين أطراف ليبيّة». وأوضح لونغيه أن الطائرات الفرنسية لم تدمّر الموكب، بل إن مقاتلين ليبيين هم من دمّروا سيارة القذافي وأخرجوه منها.
ووفق معلومات مستقاة من شهود عيان وقادة ميدانيين، تحدثت معهم «الأخبار» في سرت، فإنه تمّ رصد مكان وجود العقيد القذافي وعدد من معاونيه الأقربين، بينهم ابنه المعتصم وذراعه اليمنى عبد الله السنوسي، في منطقة محصنة تقع في الحي الثاني من سرت. وقد عمد مقاتلون الى محاصرة المكان وشرعوا في تمشيط الحي، الأمر الذي دفع القذافي الى مغادرة المكان، صباح أمس، في موكب يضم قرابة ٣٠ سيارة رباعية الدفع. وقال مقاتلون شاركوا في الاشتباك مع الموكب في وقت مبكر أمس، إنهم لاحظوا ثماني سيارات مصفّحة سوداء من ذلك الطراز الذي تعوّد القذافي على استعماله، ما زاد من حماستهم وإصرارهم على التصدي للموكب ومنع مغادرته. لكن السيارات المصفحة الثماني تمكنت من شق طريقها، رغم تعرضها لإطلاق نار كثيف، واندفعت الى خارج المدينة، باتجاه الجنوب، وسلكت الطريق الصحراوي السريع الذي يربط بين سرت وسبها.
وتضيف المصادر إن غارة لقوات الأطلسي قصفت الموكب على الطريق الصحراوي، في منطقة تبعد نحو ٣٠ كيلومتراً من سرت. وأصيب القذافي خلال الغارة بجراح في الرأس والرجلين. لكنه لم يقتل على الفور، حيث ساعده معاونه على الخروج من سيارته والتخفّي تحت مجارٍ اسمنتية تستعمل لصرف مياه الأمطار تحت الطريق السريع.
وكانت كتائب لمقاتلي مصراتة، الذين قدموا الى سرت للمشاركة في القتال، أول من وصل الى المكان، حيث اشتبكوا مع حرس القذافي في «حفرة المجاري»، وتمكنوا من القبض عليه، وكان لا يزال على قيد الحياة، بالرغم من جراحه البليغة. لكن شهوداً عياناً قالوا إن العقيد كان في حالة ذهول، ولم ينطق سوى بكلمتين: «وش تبغون؟» وكان واضحاً أنه لم يكن واعياً تماماً لما يحدث من حوله. وقال شهود آخرون إنه لم يلبث أن فقد الوعي قبيل نقله باتجاه مصراتة. ويجهل إن كان قد توفي بفعل الجراح التي أصيب بها خلال غارة الأطلسي، أم تمّ الإجهاز عليه؟
وأفاد مقاتلون في سرت بأن جثة القذافي نقلت إلى مصراتة. غير أن وزير الإعلام في المجلس الانتقالي، محمود شمام، أكد أن القذافي قتل على أيدي المقاتلين. وقال ردّاً على سؤال لقناة «الجزيرة» عن اعتقال القذافي حياً ثم إعلان موته، «نحن في حال حرب، والمقاتلون يريدون حماية أنفسهم، والقذافي كان مسلحاً، وربما حاول استخدام سلاحه، فتم إطلاق النار عليه».
وتضاربت الأخبار والشهادات بخصوص مصير معتصم القذافي، إذ قال شهود إنه ألقي عليه القبض ولم يكن مصاباً. ثم أعلنت مصادر المجلس الوطني الانتقالي أنه قتل. وأعلن تلفزيون «ليبيا الحرة» في طرابلس أن «منصور ضو (رئيس جهاز الأمن الداخلي) وعبد الله السنوسي» رئيس الاستخبارات الليبية اعتقلا كذلك في سرت. كما قال قائد عسكري في المجلس الانتقالي إن المتحدث السابق باسم الحكومة السابقة، موسى إبراهيم، اعتقل قرب مدينة سرت. أما سيف الإسلام، الذي اعتبر خليفة محتملاً لوالده، فما زال فاراً.
من جهة ثانية، أعلن رئيس المجلس التنفيذي في المجلس الانتقالي، محمود جبريل، أن إعلان تحرير ليبيا سيتم في موعد أقصاه اليوم. وقال، في مؤتمر صحافي، «أُهنئ الشعب الليبي بهذا اليوم التاريخي وأدعوه في هذه المناسبة الى وضع أحقاده جانباً والإعلان بصوت واحد: ليبيا، ليبيا، ليبيا». بدوره، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي، عبد الحفيظ غوقة، في مؤتمر صحافي في بنغازي «نعلن للعالم أن القذافي قتل على أيدي الثوار»، معتبراً أنها «لحظة تاريخية ونهاية الديكتاتورية والطغيان»، ومضيفاً إن ذلك «سيضع حداً لحمام الدم واستشهاد شبابنا».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)